Monday 27 July 2015

وعرفت معنى أن تكون يتيماً

ما هذا الوجع الذي يعتصر قلبي، ويأبى أن يبارحني، ما هذا الحزن الذي أطبق بخناق حياتي، وحجب عنها نسائم الانشراح، ما هذه الحسرة التي لونت أيامي، ودثرتها بالسواد. كنت قبلاً أحس بالحزن بل كنت بطلاً لكثير من الروايات الحزينة في هذه التراجيديا المسماة دنيا، ولكن هذا الألم وهذا الحزن مذاقهما مختلف جداً.
أمي أحتاجك كثيراً، وأشتاقك أكثر، أحتاج دعواتك التي حفظتني (من الحديد ومن الطريق ومن ابن آدم البعيق، دعوات صاد الما بتنصاد، دعوات كاف الما بتنخاف)، لمن تركتني يا أمي، الدنيا بدونك لا تطاق، أشفق على نفسي منها، بعد أن فقدت من يشفق عليّ، أحن على نفسي بعد أن فقدت حنانك، أبكي نفسي، بعد أن فقدت المرأة الوحيدة التي أثق بحبها لي، واثق بصدق دموعها عندما تذرفها من أجلي.
يحدثني الكثيرون عن قيمة الصبر والجلد، عند ملاقاة المصائب والاحن، يسهبون في الحديث، أفهمهم وأعي ما يقصدون، ولربما أستطيع الحديث عنهما، بمفردات أعمق وأفصح، ولكن كليهما الصبر والجلد لم يعيناني في مصيبتي فيك، لا تستحق الدنيا أن تعاش بعدك، لا معنى لها ولا طعم، فارقتها الطمأنينة الا غير رجعة، والطيبة أمست مصلوبة في جنباتها، وغاب الفرح.
لن يغسل الدمع الحزن المطبوع في القلوب، أصبح الحزن هو فلسفة الحياة، أصبح عنوان كتابها واللون الذي صبغت به الصفحات بين دفتيه، ليتني فهمت مبكراً، كنت دوماً أحس بحزنٍ مبهم غامض لا أعرف كنهه، صدمتني كثيراً الحياة بفقد الأحباء تارةً، وخيانتهم تارةً أخرى، فظننت أنني استنفدت رصيدي من الحزن، ولم أكن أدري أن الحزن الحقيقي كان مدخراً لي من القدر. احساس باللا جدوى دثّر أفراحي العارية، قلّم أظافر آمالي وطموحاتي، وفقأ عين حاضري. انها مأساة الوجود.
أعرف أن الموت حق، كما أعرف أن الحياة حق أيضاً، ووأعلم أنها نهاية كل كائن، ولكنني كنت أفكر في الموت كشئ مجرد غير ملموس، حتى لمسته وشممت رائحته، فعرفت أن اللغة لم تتوصل لمفردات تعبر عن معنى الفقد حقيقةً، لم تتوصل لمفردات تعبر عن الحزن، فأصبحت الدموع هي أصدق تعبير ولكنها لن تغسل الحزن المتشبث بالقلب.
ارتمى الصبر بجواري وتمدد عندما علمت بحقيقة مرض أمي، ولم أكن أعلم بأنني سأحتاج ملازمته لي ما تبقى من عمري، ربما خدعني ضوء الأمل الذي كان يتراقص أمام ناظري، وعندما كان يتحدث لي الاخصائي واضعاً ورقة أمامه يخطط فيها، رأيته وكأنه يخرج لسانه لضوء الأمل، وحتى آخر لحظة وهي تحتضر لم يخبو ذلك الضوء، وعندما أسلمت الروح الى بارئها رفعت رأسي مستنجداً بذلك الضوء، فوجدته قد انطفأ فتيقنت أنني فقدت أمي الى غير رجعة، فدفنت وجهي على صدر الصبر عله يمكنني من مواصلة المسير في هذه الحياة، وفي تلك اللحظة أفاقت الذكريات من غفوتها وحاصرتني، وددت في كثير من المرات لو رجع الزمن القهقري، لأعدل في بعض مشاهد حياتي، وفتحت لو أبواباً للشيطان لم يغلقها الا آخر دعاء سمعته من أمي وهي تحتضر (الله يصبركم على الراجيكم).
ليتها تركت لي بعض صبرها بدلاً من صبري الذي يربت على أكتافي حيناً، ويتملكه اليأس حيناً آخر عندما يصرعه حزني، كانت تتمتم بكلمات لا أميزها، فأسألها ماذا تقولين، فترد وابتسامة طمأنينة ورضا مرسومة على وجهها الوضئ (قلت الحمد لله آلاف آلاف لي يوم الوقاف)، فأبتسم لها نفس الابتسامة التي كنت أتأكد كل مرة من ارتدائها قبل أن أدخل عليها، منذ أن علمت بمرضها، والتي تجعلني أقف أمام المرآة مدة أطول حتى يتسنى لي تثبيتها في وجهي الذي كانت أعرض منه مع ان العبوس كان ضيقاً جداً عليه. عرفت معنى التوكل واليقين والرضا، عرفت كيف يكون الصبر، وعرفت كنه سر الحياة، الحزن ذلك السر الذي من السهل أن يعرفه الجميع.
تناثرت شظايا الفرحة على أديم حياتي، كنستها بتعاستي ورميتها في مزبلة تأريخي، ناحت الكلمات وهي تخرج من فمي مخنوقة بالعبرات، وتأكد لي ما قبل الفقد يفرق عما بعده، فرق أن تعيش الحياة رغبةً فيها، وأن تعيشها واجباً محتوماً، أبحث عن زادٍ لما تبقى، عن هدف، أو حتى عن وطن، لم يتبقى من الأماني سوى النحيب، وذكريات ضاقت عليها رحابة صدر الحاضر، فتضجر منها وسخر، كل ما تعلمته وقف تأدباً من تأثير سطوة الحزن، شردت الأمال وفزعت من الفقد العظيم، وانحنى ظهر الحلم.
حاولت أن أستوقف مشاهد من حياتي الراكضة لتأخذ ركناً قصياً في دولاب الماضي، لمت نفسي على التقصير كثيراً وعنفتها، لم تعترض أمي على قرار هجرتي، بل قالت (وداعة الله) ولكنها لم تستطع أن تخفي وجعاً كنت دوماً سببه، وخوفاً علي ما فتئت أضمر نيرانه في صدرها، كان موعدنا سبتمبر لنذهب سوياً لرحلة علاجها، جاءتني كلماتها عبر الهاتف، تطالبني بعدم المجئ خوفاً علي من تداعيات تلك الانتفاضة المجيدة، وهزمتني دموعها على الشباب الذي صرعته آماله بوطن، قبل أن يصرعه رصاص القتلة، بكتهم وكأنها تبكيني، وبكيتها كأنني أبكي الوطن
كنت أعتقد أن الموت هو أصعب حقيقة، يمكن أن يواجهها الانسان، ولكنني اكتشفت أن الحياة هي الأصعب، مواجهة الحياة وحقيقتها أكبر مغامرة وتحدي للانسان، خصوصاً وأن مرادفها الموت، وكما كانت تقول أمي (خربانة أم بنايةً قش)، لم أعي ذلك الخراب الا وأنا أواريها الثرى، وأرفع يدي الى السماء، طالباً لها الرحمة والمغفرة والعفو من الحي الدائم، حقيقة أن تعيش وأنت حتماً الى زوال، وحقيقة أنك يمكن أن تفقد أحبائك في أي لحظة، وحقيقة أن تعيش في دنيا هم لا يتنفسون هوائها، حقيقة أن تصدق أنهم ذهبوا الى غير رجعة. مواجهة حقيقة الحياة تجعلك تستسهل الموت، وتتمناه ولكن تتمناه موتاً حلالاً، حتى يمكنك من ملاقاة من تحب في الدار الأبدية.


Thursday 24 January 2013

وداعاً



بِعْ ....بِعْ
او
عنك دعْ
وكل الحروف أبصقها
في كلمة وداعاً

أستبق شيئاً من حيائِك للسفر
وادلِقْ ماءَ وجهِكَ في المطارات والموانئ
وُجْهَة نَظر
شرفك قفَاكْ ارقُد قَفَا
فكِّك مفاصل طلسمك
واديك شرف
هروبك وفا

ما بين عهودك ومنتهاك
وبين عهودي ومنتهاي
اورغن حزين او حتى ناي
او حتى ما يكفي الأود
كلمة احبك او
قيود الذكريات

ما بين عهودك ومنتهاك
يا ساري زادك بس حياك
أنو الفصول
شِرْقَت بدهشة روعتك
أحزِم صفاك حقيبة سفر
وبدِّيك خاطري أودعك
والباقي من امل جيتك معاي
ذرات تراب من الاتر
والباقي من بوح المكان
والسر ونوح وتر الكمان
انك شريف
راجيك معاك زمن الدفا
وبعض التباريح البواقي
وأرقد شريف
أرقد قفا

بيني بينك والوداع
غنايا حزين ولحنا شجي
ورفة عيني الشمال
راجياك ترف امكن تجي
وساساق دربنا الما كمل
وبعض الحياء مدخرو لي زمن الوصول
وكلمة وعد
وباقة ورد
ونوبة وطبول
ويمكن كمان.........
أستبق شيئا من حياءك للرجوع
او
عنك دع
وكل الحروف ابصقها
في كلمة ضياعا

Wednesday 19 October 2011


فيلم قام باعداده وتصويره واخراجه ابنائي منتصر ونور ومازن واصدقائهم
حكاية ريد لي فاطنة السمحة 

مدخل:

أحبك
كلمة وحيدة بنقولا
وما بننساها نحن فداها يا عازة
عيونك نيلك السامي
بنحب نغرق في عينيكي
وأياديك نخلك السامق
نحب نوصل أياديكي
وخصرك أرض مروية
أحب أملابو ايدية
سودانية سودانية
ما بننساها نحن فداها يا عازة
أجيك يا مهيرة أتقدل
أقول أعمل بدور أعمل
منو البعمل غيري نا
تزغردي لي وتفرحي بي
وفاطنة السمحة تتنا
أشيل مخلاية
وانتي معاي
تتفجر ينابع ريدنا ما بتجف
ولا بينضب معين احساسنا
أخت ايديكي في ايديا
ونشيل الطين ونرسم أمنا الجاية وأحبك



النص:

يا حبوبة من ما قمنا نحن عشقنا فاطنة السمحة
شايلة مكارم الأخلاق ولابسة الطرحة
ما بتتهان
نمت فينا وبتسند فوق خطاوينا
وتقول للغول
محمد في هواي مكتول
محمد مني نا المسئول
وهو المسئول ونحن صغار
شلنا معاهو هم الدنيا
كيف يزرع وكيف يحصد
وكيف الزول يريد الزول
وكيف الزول يكون مسئول
وكيف نحفظ بلدنا وكيف نكاتل لي حماها نقيف
وما نتهان
عرفنا الدنيا كل الدنيا
يا حبوبة من غنية
بتقولها السمحة لي خوها
وبتعرفي السمحة لما تغني لي خوها
بتسعد كل من جوها وما بتنهان
أصيلة أصيلة يا فطومة
حقوقك كيف تكون مهضومة
وانتي السمحة ما في متيلك
انتي العزة موية نيلك
عيونك عازة السودان
وثغرك لؤلؤا مرجان
وما بتنهان
لي ود النمير الكان
يشوف في فاطنة سرية
وحجتوا سنة دينية
ويقول لمحمد المنصور
بشوف فاطنة بتكون ليا
وعرفتي الجاهو يا حبوبة من ديا
وفهمتي الجاهو يا حبوبة من ديا
وشفتي الجاهو
أسدة ونمرة ومرفعين الجبال
أم سنونا طوال سيدم سندو
وفاطنة عزيزة كيف تنهان
تقول للغول
أكان داير تشيل محصول
زرعوا محمد المأمول دحين حاول
محمد مالوا أبدا سيد
محمد مو البحمل القيد
ونحن نعيد
معاكي قصة الأشواق من الأول
وكت أكنا صغار من حولك
نشيل في قيمنا بالجملة
وندفي جسومنا في حضنك
ونبكي كتير وتبكي كتير
ود النمير ختف فاطنة
محمد هاج ونحن بكينا كنا سغار
وما عارفين ننط أسوار بناها الغول
وشال محصول سقوهو بي شعاع النار
محمد كان كلاموا جميل
قشقش دمعة الأطفال
وقال يا شتلة مرية بي دمعة ريد لي فاطنة السمحة
داك طريق أعرفوهوا
وقال حبوبة ما تبكي
بتقولي بكانا نحن نضال وبرضوا بكانا نحن نضال
كبرنا سريع وبقينا السيل
وكان ابريل
ضريبة ريد وكان تهليل
وكان فرحا كبير بالحيل
نضالاتوا بتشد الحيل
بقول يا فاطنة يالسمحة
انت الغنوة والمدحة
وانتي الدقة في الطنبور
وانتي صدور
مشبعة بي عبير ريدك
وانتي الدوكة
انت البامية مفروكة
وانتي شتم بيخلف عزف دلوكة
وانتي هوانا انتي دوانا
ما بنطيق فراقك مر يالسمحة
لما يجينا همنباتي
ودة النمير المات يقولوا جانا بعاتي
ويختف فاطنة في تلاتين
وهو المسكين
أكان بعرف حلاوة الطين
أكان بفهم غلاوة الطين
أكان عندوا حبيبة دين
ما كان قام لينا من قبرا وكان خاتي
وهو العارف بي ريد فاطنة نحن الديمة بنهاتي
ونحلم بي زمن آتي
ونعيش للآتي من زمنا بعيد بالحيل وهو الضليل
محمد قالا كلمة زمان
محمد ماهو زول بيتهان ونحن معاهو ما بنتهان
بنحرق دفتر الأحزان ونعيش للريد
أصلو الريدة قصة طويلة ما بتكمل
مما قمنا عشناها وشلنا الهم مع محمد
كيف يزرع كيف يحصد
وكيف الزول يريد الزول وكيف الزول يكون مسئول
وكيف نحفظ بلدنا وكيف نكاتل لي حماها نقيف
وما نتهان
بحلم كمان 

وأنا فوق فراش الأمنيات
 لازمني  السهاد
وحلمت صاحي
 صاحي وبهدهد في الفرح
لمّان سنونو اتكسرن
فنّاها لي عين الشمس
هاك يا شمس سنون اللبن
وأديني من ضوك يقين
أديني من دفئك حنين
بقراكي مسدار للوطن

اتيقنت بيك
جلّ الوقف
مشمّر للهتاف
جلّ النضف
من البذاءات والسفاف
جلّ العرف
معناكي أو.....
جلّت ظنوني الفيك خيولا اتوقفن

واتيقنت بيك
لا غيمة غطت ضي وشيك
لاحزن عشرق في حلوق كل الخلوق
البيكي آمنو واحتفو
يدوك مناهم وريدتم
تديهم الاحلام دفو
تسقيهم الايمان يقين
وبرضو منك ما اكتفو
يا واضحة فاضحة ومنتهى
القلب غيرك ما أشتهى
والشعر اسفر في الغموض
لما اصطفاك موضوعو او عنوان بها
جاييك مستّف بالعشق
جاييك موشّح بالصدق
جاييك يا حلمي السكن
واتيقنت بيك
يا احلى ما وهب الوطن
وبحلم كمان

Thursday 6 October 2011

المقدمات النظرية لفكر سوداني متجدد

الباب الأول

المقدمات النظرية لفكر سوداني متجدد

فكر جديد لسودان جديد

دوماً يظل هنالك جديد يتخلق، وقديم يمضي الى زوال، وحالتي الخلق والزوال في صيرورتيهما التأريخية يتجلى الصراع، ما بين قديم يتشبث بالحياة، ويأبى أن يراوح مكانه، وما بين جديد يستشرف المستقبل في ثقةٍ وثبات، ويتخذ ذلك الصراع بين الجديد والقديم أشكال متعددة، بوتائر متسارعة حيناً، وبتؤدة وبطء حيناً آخر، ولكن تظل غايته في الخلق والزوال.

 وفي المجال الفكري، نجد أن الفكر يتطور وينمو ويتجدد على أنقاض القديم البالي، محكوماً بحركة قاصدة للامام، تفسر تطور المجتمع البشري، وتعكس بأمانة واقعه. والفكر الجديد هو فكر مناضل، ثوري يسهم في تغيير الواقع، في نفس الوقت الذي يعبر فيه عنه، ويكون ملتزماً الموقف المعادي للآفكار الرجعية البالية، وقد كان آخر ما كتبه الشهيد مهدي عامل[1] في وصف الفكر الجديد، بأنه (ضدياً يتكون هذا الفكر المناضل، ويتكامل ضدياً، في وجه الكهل من الفكر يؤكد صحته، ويؤكد ضد ظلاميته العصرية عافية العقل، ويفرح في فوضى التكوين)، هذا الجديد القادم هو أول الفرضيات التي تستند اليها هذه الدراسة، وليكتمل الاطار النظري الذي ننطلق منه لا بدّ من تعريف دقيق لماهية الفكر، وهل الفكر الجديد هو نتاج لصراع ايدلوجي طبقي، أم هو صراع ما بين الأصالة والمعاصرة؟، وهل هو جوهر الأزمة التي نعيشها؟، أم هو تعبير عنها، ويسهم فيها بمقدار؟، وتحديداً ماذا نعني بالفكر السوداني؟ وماهي اشكاليات هذا الفكر؟ وكيف يتخلق الفكر السوداني الجديد؟ وماهي أعراض المخاض؟ وماهي الأرضية الاجتماعية والمادية التي يستند عليها؟

ماهو الفكر السوداني؟

من ويكيبيديا[2] (الفكر أو التفكير هو مجموع العمليات الذهنية التي تمكن الإنسان من نمذجة العالم الذي يعيش فيه و بالتالي يمكنه من التعامل معه بفعالية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته)، ومن تعريف آخر[3] (الفكر في مفهومه العام هو الحكم على الواقع ،و هو بشكل خاص عملية نقل الواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ و وجود معلومات سابقة به يُفسر بواسطتها الواقع)، وفي هذين التعريفين نجد فرقاً شاسعاً يُبيِن المناظرة الفكرية التأريخية حول كينونة الفكر، فالتعريف الآول ينسِب الفكر الى عمليات ذهنية هي التي تُشكّل الواقع، أي انها تنعكس على واقع الحال فتمكن الانسان من تطويعه ومن ثمّ التفاعل معه، بينما التعريف الاخر هو انعكاس الواقع على الحواس، وتفسير الحواس لذلك الواقع لاتخاذ موقف منه.

ان تحديد الموقف من هذه المناظرة، يعتبر هاماً للغاية بالنسبة لهذه الدراسة، لأن ذلك يعتبر منطلقاً فكريا تأسس عليه النتائج التي نخلص اليها وسنأخذ نموذجين للتيارين المتناظرين، ففي مسألة تعبير الفكر عن الواقع، وعكسه له، يحتج محمد عابد الجابري[4] بأن للفكر مستويات يستقل فيها نسبياً من الواقع، بينما له أيضاً مستويات لا يكون له فيها أدنى صلة بالواقع، ويدلّل بأن الفكر اذ يعكس الواقع لا يعكسه كما تفعل المرآة التي يرى فيها الشخص وجهه بكل قسماته وتجاعيده، بل غالباً ما تكون الصورة المنعكسة متموجة متداخلة الأجزاء، كالصورة التي تعكسها المرآة المهشمة. وبارجاع هذا الرأي للمسألة الآساسية للفلسفة التي يطرحها الفكر الماركسي، نجده اتخذ التيار المثالي وليس المادي، فالفكر عند الجابري مستقل بذاته في أحايين كثيرة، وكثيرا ما ينتج واقعاً أساسه الفكر، ومع ما زعمه الجابري من استقلالية الفكر النسبية تلك، لم يستطع أن يفك الارتباط بين الواقع والفكر، فأسترجع قائلاً ان الارتباط بين الفكر والواقع، يكون مشروطاً بأن يتم بعد عمليتين ضروريتين وأساسيتين، اولاً، تحليل بنية الواقع تحليلاً يهدف لاستخراج ثوابته، ثم ثانياً، تحليل صورة المرآة المهشمة، أي صورة الواقع عند عامة الناس، واعادة مفصلتها وترتيب علاقاتها، وذلك كما أسماه الوعي الطبقي الصحيح، ومن ثمّ، بعدهما يصبح الربط الجدلي بين الواقع والفكر ممكناً.

أما مهدي عامل[5] في الجانب الأخر، يقول بأن الفكر حين يقوم بتحليل ملموس  للواقع، يسير الى ملاقاة هذا الواقع في مخاطرة هي ضرورية لانتاج المعرفة، لا يجرؤ عليها سوى فكر مادي، يعرف كيف يصغى للواقع، ويحتكم الى منطقه الموضوعي، فلا يُسقِط عليه من خارج، منطقاً يلغيه أو يشوهه. وبهذا يضع مهدي عامل نفسه في فريق التيار المادي بشكل صريح، ويصف تماسك الفكر الذي يلغي الواقع المادي بأنه تماسك شكلي، ويؤكد بأن الفكر انما انعكاس للواقع المادي، وتعبير عن الصراع الآيدولوجي بين طبقة هي مسيطرة، وطبقة أخرى تمثل طليعة لعهد جديد لا بدّ أن يتخلّق. وذلك يتفق مع ما يقول به روجيه جارودي[6] بأن المادة هي الواقع الآول وما احساساتنا وفكرنا سوى انعكاسات لهذا الواقع ونتاج له، وهذا أيضاً ما يقول به الفكر الماركسي.

ونحن هنا نميل الى التفسير المادي، اذ نرى بأن الفكر انما هو انعكاس للواقع، ولكننا لا ننفي تأثير الفكر ايجاباً، في الواقع حينما يكون فكراً مناضلاً ثورياً يشرئب الى الجديد، وسلباً، حينما يكون فكراً رجعياً، يسعى لكبح جماح التقدم وفرملته، والفكر كانعكاس للواقع، وكمؤثر فيه، يفصح عن علاقة جدلية تفاعلية تربط بين الفكر والواقع المادي. وبالتالي ننفي الحيادية عن الفكر كتعبير عن الصراع الاجتماعي، الذي قد يتمظهر ثقافياً وسياسياً، بينما جوهره صراع للوجود الاجتماعي هذا مع الأخذ في الاعتبار بأن الفكر لا يعكس الواقع كما المرآة، وانما يعمل فيه معاول التحليل والاستنباط والاكتشاف. وهذه فرضية أخرى ننطلق منها الى رحاب تشخيص الآزمة الفكرية السودانية.

اذاً ماذا نعني بالفكر السوداني؟ هل هو الفكر السياسي السوداني أم هل هو مجمل المعرفة التي تراكمت عند السودانيين؟ دكتور صبري محمد خليل[7]، استاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم، كتب حول اشكاليات الفكر السياسي السوداني، معرفاً الفكر السياسي السوداني على مستوى الفلسفة السياسية  فيقول (ان الفكر السياسي السوداني يعني المباديء السياسية (المفاهيم الكلية المجردة) التي يضعها أو يلتزم بها المفكرون السياسيون السودانيون والاحزاب السياسية السودانية، هذه المفاهيم استمدها الفكر السياسي السوداني من مصادر متعددة كالفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة (الليبرالية والماركسية) أو الفكر الاسلامي (المذاهب السياسية الاسلامية) أو الفكر العربي الحديث (القومية) أو الواقع الاجتماعي السوداني (القبيلة والطائفة). بينما عرّف الآستاذ تاج السر عثمان[8] الفكر السوداني بأنه حصيلة تفاعل المؤثرات الفكرية الخارجية ( الديني ، الفكر الإنساني ) بالواقع والموروث الثقافي الفكري المحلى . وحاصل هذا التفاعل هو ما يسمى بالفكر السوداني . ومكوناته كما أوردها  مكون ديني ( الوثنية ،المسيحية ، الإسلام)، ومكوّن  الثقافة الأفريقية ( الزنجية ، النوبية ، البجاوية .. الخ )، ومكوّن الثقافة العربية الإسلامية، ومكوّن الفكر الإنساني الحديث والذي تبلور وتكون في أوربا بعد زوال النظم الإقطاعية.

ومن خلال التعريفين أعلاه، نرى أن كلا الكاتبين قسما الفكر السوداني، أو السياسي كما أورد دكتور صبري محمد خليل، الى مكوّن ذاتي داخلي، يمثل الواقع الاجتماعي السوداني عند الدكتور صبري، والموروث الثقافي المحلي عند الأستاذ تاج السر، ومكون آخر خارجي، يمثل المفاهيم التي استمدها الفكر السوداني من مصادر متعددة غربية وعربية واسلامية عند الدكتور صبري، والمؤثرات الخارجية التي تمثل الفكر الانساني والديني عند أستاذ تاج السر. وفي ذلك نرى أن تلكم الرؤية قد تبدو منطقية، اذا افترضنا بأن للفكر جنسية أو هوية، ولكننا نزعم أنها ليست دقيقة بالقدر الكافي لاعتمادها، أساساً للتعريف بالفكر السوداني. وعدم الدقة تكمن في كونية المعرفة العلمية، في كون أن مفكراً مثل كلود ليفي ستروس، جان بول سارتر، يورغن هابرماس،..، ألخ، لا يخصون الثقافة الغربية وحدها وانما يخصون سائر البشرية، خصوصا في عالم اليوم الذي اصبحت تنداح فيه المعرفة في فضاءات الأسافير، تدك الحصون، وتخترق حاجز الجغرافيا، مما يصعب معه ربط الفكر بجغرافية محددة بداخلي وخارجي، وان كنا طرحنا مسألة أزمة الفكر في اطاره السوداني، فذلك لأننا نفكر تحت وطأة وعينا بهويتنا الجمعية، وذلك تعبير عن الأزمة والضعف، وكما أشار الأستاذ علي حرب[9] بأن الاحساس بالهوية، يشتد ويطغى لدى الانسان، أكان فرداً أو جماعة، عندما يشعر بالضعف أو عندما يوضع موضع التحدي الذي يتهدده ذاتاً وكياناً، أو وجوداً ومصيراً. وحتى نكون أكثر دقة فاننا نقصد بالفكر السوداني مجمل النشاط الذهني الذي يفسّر الواقع المادي والاجتماعي السوداني ويعبر عنه، ويسعى مستفيداً من كل الانتاج البشرى المعرفي لتطوير ذلك الواقع. ولسنا بحاجة لأن نتحدث عن مؤثرات خارجية أو مؤثرات الواقع الثقافي الداخلي كما أورد أستاذنا تاج السر عثمان متجاهلاً الواقع الاجتماعي والمادي كأساس ينبني عليه الفكر خارجياً كان أو داخلياً، اذ أن هذا النشاط الذهني الذي نعنيه هو عملية معقدة ومتشابكة، يصعب تفكيكها كما يفعل المنهج البينيوي الى مكونات ومؤثرات، ولكنها بمعنى أدق تفاعلات لشتى العوامل، تضخ دماً في ذلك النشاط، وذلك بالطبع لا ينفي أن نصنف ذلك النشاط، ونبوبه وفق المنطلقات والآسس الاجتماعية والثقافية التي ينطلق منها، كأن نسمي الفكر السلفي أو الاسلامي، أو الفكر الديمقراطي أو الماركسي وهلمجرا. أو تصنيفه وفق تأريخيته، ومرحلته الزمنية كأن نسمي الفكر السوداني في العهد التركي المصري، أو فكر الثورة المهدية، أو الفكر السوداني المعاصر وهلمجرا.

المشكلة التي تواجهنا في هذه الدراسة، هي قلة المكتوب من مثاقفات وصراعات السودانيين الفكرية، وذلك لا ينفي بالضرورة وجود ما يمكن تسميته بالفكر السوداني، أو المفكرين السودانيين، ولكنه ربما يدلل بأن السودانيون يعتمدون المشافهة أكثر في تبيان رؤاهم الفكرية، وقد تعرض لذلك الدكتور حيدر ابراهيم[10] في تصديره لكتابه (أزمة الاسلام السياسي- الجبهة الاسلامية في السودان نموذجاً) بأن قال " ظل السودان لفترة طويلة غير مكتوب وموثق بصورة تسمح بتكوين وعي تأريخي قادر من خلال تراكم الخبرات على الا يكرر الاخطاء وأن يدرك المخاطر ويستشرف المستقبل جيداً، فالسوداني رغم ثقافته وحسه السياسي المتميز ما زال مرتبطاً بثقافة شفاهية تتبخر سريعاً بعد انتهاء جلسات الونسة، لذلك كان حجم الكتابة السودانية لا يماثل القدرات والامكانات، وكادت عادة اللا الكتابة أن تكون صفة لا يخجل منها المثقفون السودانيون"، ولا أود أن أطلق بمجانية صفة الكسل على المفكرين السودانيين، ولكن ربما عدم التخصص، وأعني به أن يهتم المثقف بقضية ما ويبحث فيها كمثال ما فعله المرحوم الاستاذ الطيب محمد الطيب في تنقيبه عن التراث، وغياب التخصصية هذا نرشحه كفرضية للبحث العلمي مستقبلاً، لتفسر احجام المثقفين السودانيين ليس عن الانتاج الفكري، ولكن عن كتابة منتوجهم الفكري. وندعو الباحثين لمزيد من البحث والتنقيب في هذا المجال.

ومع ما ذكرنا من احجام المثقفين عن توثيق انتاجهم كتابة، فانه جدير بنا أن لا نتجاهل، المساهمات الفكرية من قبل مؤتمر الخريجين، ومثاقفات الرعيل الأول من المثقفين السودانيين، والمساهمات المقدرة للماركسيين السودانيين، وعلى رأسهم الشهيد الأستاذ عبد الخالق محجوب الذي شهد له السيد محمّد أحمد المحجوب[11]، بفكره النيّر، ومحاولته اعمال المنهج الماركسي في الواقع السوداني، وكذلك هنالك المساهمة الثرة للشهيد الأستاذ محمود محمّد طه، والتي تعتبر منظومة فكرية متكاملة بما يعرف بالفكر الجمهوري، وهنالك مساهمات الدكتور حسن الترابي والاسلاميين، والسيد الصادق المهدي، وبعض مجاهدات القوميين العرب، ومساهمة الأستاذ الشيخ محمّد الشيخ في التحليل الفاعلي، ومساهمات الدكتور جون قرنق حول السودان الجديد، ومساهمات الديمقراطيون الجدد، وعلى رأسهم المرحوم الأستاذ الخاتم عدلان، وهنالك أيضاً الدكتور عبدالله علي ابراهيم والارهاق الخلّاق، وابو القاسم حاج حمد ومنهجية القرآن المعرفية، ودكتور حيدر ابراهيم علي وكتاباته حول الاسلام السياسي ومشروعه الحضاري، والدكتور منصور خالد وتشخيصه للأزمة السودانية، بالاضافة للمساهمات التي برزت من كثيرين عبر شبكة الانترنت.

مما سبق، يمكن تلخيص الفرضيات التي ننطلق منها، في حتمية ميلاد الجديد الفكري الذي يستطيع أن يعبر ويحلّل الواقع ومشكلاته العصرية، وايجاد حلول عصرية لها، باعتبار انه تعبير عن الصراع الاجتماعي، والسياسي والاقتصادي، وبربط هذه الفرضيات مع كونية المعرفة، يجئ افتراضنا الأساسي، بأن الفكر السوداني لا ينفك من الفكر الانساني العالمي، وهو جزء يعبر عن النظام الاجتماعي السائد في سائر العالم، وهذا الافتراض يلخّص أزمة الفكر السوداني في انغلاقه، في تفسير الظواهر الاجتماعية والسياسية في اطاره المحدّد جغرافياً، فبرزت المساجلات حول الهوية، والاسلام السياسي، والوحدة الوطنية، وأزمة الديمقراطية والتنمية، لتحاكي الفزورة في أدبنا الشعبي.

ان المنطلقات غير السليمة بالطبع تؤدي الى نهايات غير سليمة وهذا منطق البداهة، ولذا يتحتم علينا أن ننطلق من قاعدة فكرية، تتحمل البنيان الفكري، وتعصمه من الانهيار، فيصمد أمام رياح العصر والتغيير، لأنه سيكون جزء من طاقتها، لا ينحني لها بل يتمايل ويتناغم مع صفيرها، ولا ينْدك عندما يضرب زلزال العصر أرض الخرافة، وتتفجر من جبال الآوهام براكين المعرفة والعلم لتتنبأ بعالم جديد تسود فيه قيم الانسانية والحرية والعدالة.

عالم بلا خرائط

العنوان مستلف من الآديبين الأستاذ جبرا ابراهيم جبرا والأستاذ عبدالرحمن منيف[12]، وهو عنوان عملهما الروائي المشترك الرائع بمقاييس الأدب، وجدت هذا العنوان يناسب وصف الحالة الكونية التي نعيشها اذا ما اختزلنا الخرائط في الحدود السياسية للبلدان ليس لوصف عمورية كما في العمل الروائي وذلك اختلاف بيّن بين الاستخدامين للعنوان، فمنذ 1990 برزمصطلح العولمة، ليعبر عن الترابط الكوني (Inter- connectedness) وازالة الحدود[13]، فمن عالم يشبه كقرية صغيرة في بواكير ذلك العام، لعالم تحت ايدينا في جهاز الآي فون (IPhone)، نتعامل ونتفاعل معه، نستغله من أجل رفاهيةٍ ننشدها، ويستغلنا من أجل رأسماليةٍ تطورت هي عنوان العالم الذي أنتجه. ومنذ بروز العولمة، تباينات الآراء حولها، فهنالك مدرسة سميت بالمتشككين (Sceptics)، وهؤلاء قالو بأن العالم كان أكثر ترابطاً، قبل العولمة[14]، واستندوا في حجتهم تلك على معلومات احصائية، توضح حجم التبادل التجاري في القرن التاسع عشر، مقارنة بتسعينات القرن العشرين، ومدرسة أخرى تعترف بالعولمة كمرحلة تأريخية، هذه المدرسة سميت بالهايبرقلوبالايزرس (Hyper- globalisers)، والذين انقسمو ما بين المحتفين بالعولمة مثل توم جي بالمر[15] الذي يقول "إن سياسة حماية الانتاج الوطني مبنية على مجموعة من السياسات التي تقوي المصالح المتعارضة بين الأمم. أما التجارة الحرة، فعلى النقيض من ذلك تربط الشعوب معًا في سلام. وهناك مثل قديم يقول: "عندما تعجز البضائع عن عبور الحدود، فلا بد تعبرها الجيوش"، وما بين الرافضين لها ووصفها كعملية اغتصاب كما  يقول الدكتور فلاح خلف علي الربيعي [16]"أن نزوع ظاهرة العولمة نحو نشر وتعميم ظاهرة العولمة على سائر الشعوب يحول تلك الظاهرة إلى فعل اغتصاب وعدوان مسلح بالتكنولوجيا والمعلومات يهدد الهوية الثقافية لسائر المجتمعات ،فبدلاً من الحدود الثقافية والسياسية ، تطرح العولمة حدودا أخرى،غير مرئيه ترسمها الشبكات العالمية بقصد الهيمنة على الاقتصاد  والأذواق والفكر وأنماط السلوك، حيث تأتي العولمة اليوم في إطار من شبكات المعلومات و الاتصالات وقنوات البث الفضائي  وشبكة الإنترنت،و اصبحت الصورة  هي المفتاح السحري لهذا النظام الثقافي الجديد".

مفهوم العولمة

العالم يتغير بسرعة مذهلة، وبرزت لأول مرة وحدة الوجود البشري، هكذا كتب دكتور فؤاد مرسي[17] في كتابه الرأسمالية تجدد نفسها، وواصل، "ان الرأسمالية استطاعت أن تجدد قواها"، وهذا يقودنا الى مفهوم العولمة. ان العولمة هي احدى مراحل تطور الرأسمالية، حيث يتم تصدير رؤوس الأموال من البلدان الغنية الي العالم الفقير لخلق مؤسسات صناعية تستغل العمال بأجور منخفضة، وقد وصفها الجابري[18] بأنها "ما بعد الاستعمار" باعتبار ال "ما بعد" في مثل هذه التعابير كما وضّح، لا يعني القطيعة مع ال "ما قبل"، بل يعني الاستمرار فيه بصورة جديدة، كما نقول "ما بعد الحداثة". وأضاف ان القاعدة التي تحكم اقتصاد العولمة هي انتاج أكثر ما يمكن من السلع والمصنوعات بأقل ما يمكن من العمال، وفي اطار هذا المبدأ يخلص الى أن الخصخصة والمبادرة الحرة والمنافسة تبدو على حقيقتها كأيديلوجيا للاقصاء والتهميش وتسريح العمال على مبدأ "كثير من الربح قليل من المأجورين"، أما هانس-بيترمارتين و هارالد شومان[19] في كتابهما البديع "فخ العولمة- الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية" فقد وصفاها بشريعة الذئاب التي تؤدي لمجتمع عالمي خمسه ثري وأربعة أخماسه من الفقراء والمعوزين، أضاف الى ذلك دكتور فلاح الربيعي[20] "أن أي  صياغة لمفهوم شامل للعولمة لابد أن تضع في الاعتبار تلك العمليات الأساسية  التي تكشف عن جوهرها، أولها  إنتشار المعلومات ، و ثانيها تذويب الحدود بين الدول ، أما العملية الثالثة فتختص  بزيادة معدلات التنميط أو التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات الاقتصادية والسياسية والثقافية، وقد تؤدي تلك العمليات إلى نتائج سلبية بالنسبة إلى بعض المجتمعات ، ونتائج إيجابية للبعض الآخر .وأياً كان الأمر فجوهر العولمه يتمثل في سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على النطاق الكوني .ومن المنظور الاقتصادي الصرف فأن العولمة تمثل مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية الاحتكارية"، ويواصل " انها ليست سوى عمليةاعادة انتاج لجوهر الراسمالية المتوحشة وقد انطلقت غرائزها بعد زوال  القطب السوفيتي الذي كان يشكل حاجزاً رادعأ  لأمتداد نطاق العولمة ، مستخدمة في هذا الانطلاق كل وسائلها ، وفي مقدمتها تكنولوجيا الاتصالات وثورة المعلومات وعالم الشركات متعددة الجنسية والعابرة للقومية وعالمية السوق ، وبناءاً على كل ماتقدم يمكن تعريف العولمة"على أنها وصول نمط الإنتاج الرأسمالي عند منتصف هذا لقرن تقريباً ،إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول إلى عالمية دائرة الإنتاج والاستثمارالإنتاج الرأسمالية أيضا.ونشرها في كل مكـان مناسب وملائم خارج مجتمعات المركز الأصلي ودوله .والعولمة بهذا المعنى هي رسملة العالم على مستوى العمق". ويعرفها فريد لوثانس وجوناسون دوه بأنها عملية الاندماج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والتكنولوجي بين دول العالم في كل المعمورة، وهي تختلف عن العالمية، اذ أن العالمية تدلل على عبور رأس المال للحدود الدولية، بينما العولمة تعني خلق عالم في وحدة واحدة، وسوق واحد.

وقد قوبلت العولمة بكثير من الاحتفاء في اوساط الليبراليون واللبراليون الجدد، واحتفاءً بالعولمة كتب فرانسيس فوكاياما في نهاية التأريخ وخاتم البشر[21] بأنه يزعم بأن الأخبار السارة تطرق الآن أبوابنا، والديمقراطية السياسية أصبحت مطمحاً، كما أن المبادئ الليبرالية في الاقتصاد قد انتشرت ونجحت في خلق مستويات من الرخاء المادي لم نعهدها من قبل، ولم يجف حبر فوكاياما حتى تصدر صدام الحضارات قائمة المصطلحات المثيرة للجدل، اثر ما كتبه صمويل هانتجتون[22] من أن العالم يشهد صراعاً ثقافياً وليس ايديلوجياً أو اقتصادياً اذ يقول "ليس ما يهم الناس الأيديلوجية أو المصالح الاقتصادية، بل الايمان، والاسرة، والدم، والعقيدة، فذلك هو ما يجمع الناس، وما يحاربون من أجله، ويموتون في سبيله"، معبراً عن فهمه للصراع الاجتماعي كصراع ثقافي، وعرقي وديني، وهو في زهوه بالعولمة يؤكد انتصار الثقافة الغربية بعرقها ودينها، وهو بذلك يخبر عن نظام اجتماعي طليعته حضارته الرأسمالية، ويدلّل على الجوهر الرجعي للرأسمالية المعاصرة.

ان مفهومنا للعولمة، أنها مرحلة من مراحل تطور البشرية، وبالتحديد هي مرحلة أعلى للرأسمالية، أي انها تعبر عن سيادة الطبقة الرأسمالية، وعندما نتحدث عن الطبقة فاننا نقصدها كما عرّف لينين[23] (1870-1924  ) الطبقات الإجتماعية بما يلي "نسمي طبقات مجموعات بشرية واسعة تتميز بالمكانة التي تحتلها في نظام إجتماعي محدد تاريخيا و بعلاقتها(المضبوطة و المكرسة في الأغلب في القوانين) بوسائل الإنتاج و بدورها في التنظيم الإجتماعي للعمل و بالتالي بطرق حصولها على الثروات الإجتماعية التي تستأثر بها و بأهمية نصيبها في هذه الثروات"، ولكننا نضيف أيضاً بأن هذه السيطرة والسيادة، للطبقة الرأسمالية، لا تتم وفق مبدأ الصراع الطبقي وقوانينه التي ذكرتها مصادر الماركسية فحسب، ولكن زيادةً على ذلك، هنالك عملاً ذهنياً منظماً أنتجه الصراع الطبقي، وتشكلت به مؤسسة كونية، تدير وتوجه الصراع الطبقي، وتضع الخطط للمحافظة على، وتكريس السيادة للطبقة الرأسمالية.

إن تطور وسائل الإنتاج و الإتصال و تطور أسلوب الإنتاج الذي أصبح يعتمد الإعلامية و الروبوتيك خول للرأسمال تمركزا و تركزا هائلين مكنا الخمس من سكان العالم من الإستحواذ على 80% من الثروات في حين أن الأربعة أخماس الباقيين لا يحوزون على حتى20% من تلك الثروات. لقد أصبح الإنتاج إجتماعيا و عالميا بحيث صار أي منتوج يساهم فيه عمال العالم بشكل أو بآخر في حين يتمتع بالثروات أقلية متمركزة في شركات لا وطن أو جنسية لها، و مثل هذا الوضع دوماً يهدد بتفاقم الأزمات الإقتصادية التي لم يعرف لها العالم مثيلا مثل ما حدث للنمور الآسيوية في تسعينات القرن الماضي، والأزمة الطاحنة التي حدثت في العام 2008، و يهدد العالم بحرب يصعب التكهن بنتائجها كما يهدد الكون بكارثة إيكولوجية، في مثل هذا الوضع تخوض الإمبريالية حروباً متعدية على حق الشعوب في تقرير مصيرها و الهيمنة عليها و نهب خيراتها و لكنها تغلف حربها العدوانية بغلاف عرقي و ديني و حضاري... فتحاول ستر عوراتها و لكنها لا تحقق ذلك بدون قمع حتى شعوبها و الإعتداء على مكاسبها في الحريات الديمقراطية، وتتخذ هذه الحروب في العالم أشكالاً شتى، ووسائل متعددة، كأن تكون الحرب مباشرة كما حدث في العراق وأفغانستان، وما يحدث في ليبيا، أو تكون حرب اقتصادية، تستخدم فيها مؤسسات الدولة الرأسمالية، والمخابرات، والمؤسسات الدولية، كما وتستخدم الآلة الاعلامية للتضليل، وتزييف الارادة، وتغبيش الوعي، كما وتستخدم شبكة من العملاء يعملون على تنفيذ مخططات الزعزعة، وازكاء النعرات العنصرية، ودعم الارهاب.

ان النظام السائد هو النظام الرأسمالي، والمؤسسات التي ينتجها هذا النظام هي مؤسسات تهدف دوماً  للمحافظة عليه، لأنها يتم ادارتها عبر المؤسسات الرأسمالية، وحتى الصراعات التي تدار، تدار وتحرك من قبل الشركات الكبيرة، صاحبة المصلحة، وهذا لا يعني بالتأكيد، أن هذه المؤسسات الاقتصادية تسير في تناغم تام، دونما تناقض فيما بينها، ولكنها بالتأكيد تسير وفق خطة مرسومة سلفاً، وتظل هذه الخطة تقيم وتراجع من حين لآخر، فقد تجد هذه المؤسسات نفسها مضطرة للتعامل مع واقع متجدد، يفرض عليها مراجعة خططها بصورة مستمرة، مثلاً ينتج من الحروب وعدم الاستقرار السياسي، أزمات انسانية لا بدّ من التعامل معها بجدية، حتى لا ينهار النظام العالمي ككل، من جهة، ومن جهة أخرى استجابة لضغوط  من مؤسسات تأسست لتدرأ الأثار السالبة للرأسمالية، كالمنظمات الغير حكومية والتي أصبح لها دور كبير في ظل النظام الرأسمالي، فتضطر الرأسمالية، مستخدمةً المؤسسات الدولية، أو مؤسسة الدولة، أو حتى المنظمات الغير حكومية، لايجاد حلول تصب في مصلحة الرأسمالية ونظامها أولاً، ولا ضير ان أصاب المتضررين منفعة. وهذا النظام كما أشار سمير أمين[24]، مشروع امبريالي بالمعنى الأكثر فظاظة، ولكنه ليس امبراطورياً، لأنه لا يقضي بادارة مجموع المجتمعات البشرية، من أجل دمجها في نظام رأسمالي متناسق، برغم كل مزاعم الليبرالييين الجدد المناصرة للعولمة، ولكنه يسعى فقط لنهب مواردها.

وسوداننا هو جزء من عالم اليوم، لا يستطيع منه فكاكاً، عالم  يعبر عن سيطرة طبقة رأسمالية لا قومية أو وطن لها، مبدأها المصلحة، وفلسفتها الاستغلال، والفكر السوداني الجديد لا بدّ أن يستوعب هذه المرحلة التأريخية في التطور البشري، وكما يقول دكتور طيب تزيني[25] "ان تطوير وتشكيل نظريات وفرضيات ومقولات ومفاهيم علمية لا يمكن أن يستجيبا لمستلزمات الدقة العلمية انطلاقاً من البناء المنطقي لهذه النظريات والفرضيات والمقولات والمفاهيم فقط، ان عملية التشكيل والتطوير تلك ينبغي، استجابة لذلك المبدأ العلمي، أن تردف وتعمق من خلال بحث تلك الركائز العلمية في تأريخيتها" وهذا يعني انه في حال ممارسة فعل التفكير والمنطق في تأريخيته، والتأريخ في منطقه، يمكننا استنطاق اللحظة المنطقية الجدلية واستخراجها بشكل أدق وأكثر شمولية، حين نبحثها في وحدتها العميقة مع تأريخها. والمرحلة التي نعيشها تأريخياً هي المرحلة الرأسمالية، وحتى بعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا، أزعم أن النظام السائد، كان وما زال هو النظام الرأسمالي، وأن ما ظهر كانجاز في المنظومة الاشتراكية السابقة لم يكن سوى ارهاص لمجتمع قادم، يحمل بين ثناياه قيم الانسانية والمساواة والاشتراكية، ولم يتجاوز كفعل في العملية التأريخية سوى انه تمرين نفس للمرحلة الرأسمالية، اضطرت مؤسسة الرأسمالية من خلال مراجعتها لخططها في السيطرة على العالم التعامل معه، وحتى ترويضه وتشكيله ليعمل وفق أهدافها، مستخدمةً العملاء والاعلام والتسابق في التسليح،  وبهذا الفهم يمكننا أن ننفذ الى جوهر الصراع في السودان، بربطه بالصراع الاجتماعي قي العالم ككل، مما قد يمكننا من ايجاد تفسيرات لها سندها العلمي والمنطقي، لأسئلة تبدو عميقة للوهلة الأولى، مع بساطتها كسؤال الهوية، وأخرى تبدو بسيطة للوهلة الأولى، مع عمقها كسؤال الأديب الطيب صالح مستنكراً فعائل أهل الاسلام السياسي من أين أتى هؤلاء؟

ولنا أن نقول وفق منهجنا، أن الحكم الاسلامي في السودان لا ينفصل بأي حال من مصالح هذه الطبقة، بل هو يعبر عنها بوضوح، وما الحرب الاعلامية الا محاولات للتضليل، وحتى ما يتخذ من عقوبات على الحاكمين في السودان، الا جزء من عملية الترويض  التي لا بدّ من القيام بها، انها على حسب ما نعتقد ووفق ما توصلنا له من خلال البحث، مؤامرة كبرى ضحيتها الشعب السوداني، وكل شعوب العالم المستغلّة. 

ان دور الفكر دوماً يظل في ايجاد حلول نظرية لمعضلات الواقع، وليقوم الفكر بدوره هذا لا بدّ له من الغوص في الواقع والوصول لجوهر الأزمة، ولممارسة فعل الغوص وليكون الفكر فعلاً هادفاً ليس مجرد مثاقفات، تنتهي في الآخر لتُدون في كتب تزيّن أرفف المكتبات، لا حياة لها، لا بدّ من أن يقوم على الأساس العلمي الصحيح، وأول ما يضلل الفكر ويجعله عاجزاً من سبر أغوار الواقع، أن يعتبر كفعل أو عملية مستقلة بذاتها، تتطور وتتراكم، وفق قوانين خاصة بها، القانون يولّد القانون، والمقولة تجرجر المقولة، ليصبح الفكر مجرد رياضة ذهنية تخص الانتلجنسيا، هذا النسق الانتلجنسوي الفوقي للتفاكر، يذهب بالفكر بعيداً عن مراميه، بل ويجعل منه معوقاً وكابحاً للتطور البشري.

الفكر كعملية ذهنية ينتجه الوعي، والوعي يحدده الوجود الاجتماعي، وكما قال ماركس[26] " ليس الوعي هو الذي يحدد الوجود الاجتماعي، وإنما الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي". على المستوى النظري من السهل التدليل على ذلك، ولكن على مستوى التطبيق العملى لفعل التفاكر، تتداخل عوامل تبدو ظاهرياً كأنها منبتة عن الوجود الاجتماعي، اما بفعل وعي زائف، أو بفعل أفكار رجعية تهدف من أجل مصلحة يحددها الصراع الاجتماعي، ويضع قواننينها، لكبح جماح الفكر الثوري، في مسيرته القاصدة نحو التغيير الاجتماعي.

ولتكتمل الصورة ماهو المقصود بالوجود الاجتماعي في هذه الدراسة؟ عرّف تاج السر عثمان[27] الوجود الاجتماعي "المقصود بالوجود الاجتماعي هو حياة الناس الاقتصادية وسبل كسب العيش التي يقوم بها المجتمع، والعلاقات التي تنشأ بين الناس اثناء عملية الانتاج"، وهو تعريف نتفق معه بيدّ أننا نقصد بالوجود الاجتماعي جميع العلاقات، والروابط القائمة فعلا، بين الناس بعضهم تجاه البعض الأخر، وبينهم وبين الطبيعة، وذلك يتضمن العلاقات الاقتصادية، بما فيها ملكية وسائل الانتاج، كما يتضمن أدوات الانتاج ، وكل ما سخره الانسان لمصلحة رفاهيته، من وسائل المواصلات، واعلام وغيره. وبذلك ربما يمكن أن نطابق الوجود الاجتماعي بالواقع الاجتماعي حيث الشمول التوصيفي للفظ الواقع، متضمناً مجمل الحياة المادية والعلاقات المتشابكة بين أفراد المجتمع ومؤسساته.

هنا يأتي السؤال، هل الفكر الجديد الذي نزعمه، أو الذي ننشده ونسعى اليه يقوم على الفهم المادي للتأريخ؟ هل هو بمفردات أكثر بلاغة الفكر الماركسي أو هل هو وجه جديد له؟ الاجابة نعم للشق الأول من السؤال ولكن بتحفظ، وذلك في أن الفكر الذي ننشده يقف منتصباً على جوهر الفهم المادي للتأريخ، متجاوزاً الأرضية المائعة التي يستند عليها الفكر المثالي كاصطلاح فلسفي، ولكنه ليس ذلك الفكر الذي يقوم على المادية الميكانيكية، أو تلك صاحبة القوالب الجاهزة التي تسقط قسراً على الواقع، وتلوي عنقه ليلتقي مع فرضياتها النظرية، وجوهر الفهم المادي في ارجاعه النشاط العقلي لمحدداته الاجتماعية، ويقول عنه الأستاذ تاج السر عثمان[28] "والمفهوم المادي للتاريخ في جوهره مستمد من فهم الظروف الواقعية والحياة الانسانية متنوعة وخصبة ومتجددة من الصعب حشرها في نموذج،  بل تتعدد النماذج وفقا لتنوع وخصوبة الواقع والحياة الانسانية، ستظل دائما الهوة موجودة بين النظرية والواقع، سيظل السؤال: ماعلاقة الاطار النظري بالواقع وما علاقتة بالمجتمع السوداني؟وسيظل دائما الواقع اغني واعمق من كل نظرية"، ومن هذا الفهم يكتسب الفكر تجدده الدائم، مما يجعل وصفه بالجديد أمراً تثبته طبيعته المتناغمة مع ايقاع عصره، هذا التناغم ليس في تتبع آخر صيحات التكنولوجيا، بل في ترابطه الجدلي مع الواقع. وهو فكر مرن يسهل تطويعه، وفي نفس الوقت يلتزم منهجاً علمياً صارماً، يضبطه ويدوزن خطواته نحو الغد.

أما الشق الثاني من السؤال، فلست بزعيم بأن هذه الدراسة، تنتهج الماركسية، أو هي معنية بتجديد الفكر الماركسي، وذلك نفوراً من التنميط، الذي يلزم الباحث بالقوالب التقليدية في التعامل مع عملية التفكير، ولأن نفسي تعاف مثل عبارة انجلز[29] "اياكم والتنازل النظري"، اذ اننا بالطبع سنتنازل كثيراً عن الماركسية لمصلحة الفكر والحقيقة، وذلك بالطبع لا ينفي الاستدلال بمراجع ماركسية، أو التدليل للحجة النظرية التي نطرحها من مصادر نظرية المعرفة الماركسية، باعتبار مكانة الماركسية على مستوى المعرفة الانسانية، ونزعم أن الماركسية كفكر تعتبر تأريخاً مع انه تأريخ حريٌ بنا أن نحتفي به، ونحتفي بما ظل منه متوهجاً من قوانين الجدل الماركسي، ولكن ليس في مصلحة الفكر الانساني الانغلاق عليها، باعتبار أن الباطل لا يأتيها من أمامها أوخلفها، وفي أمرها نشبهها بالثوب الذي لا يمكن ارتدائه في كل المراحل العمرية، لأنه بالطبع يضيق عندما يكبر حجم جسم الانسان، فاذا كانت الماركسية، تمثل آخر صيحات الموضة في بدايات القرن العشرين، فانها تضيق على الوجود الاجتماعي الآن بعد أن شبّ المجتمع البشري، وبرزت عضلاته، ولربما تكورت كرشه، فلتكن الماركسية خيطاً، أو لوناً يلون ذلك الثوب أو حتى قماشاً، يصنع منه، ولكنها بأي حال لا يمكن أن تصبح الثوب نفسه.


 مهدي عامل، نقد الفكر اليومي، دار الفارابي، 1989[1]
 ويكيبيديا الموسوعة الحرة،  http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%83%D8%B1 [2]
 نفس المصدر السابق[3]
 دكتور محمّد عابد الجابري، اشكاليات الفكر العربي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، 1990[4]
 مهدي عامل، نقد الفكر اليومي، دار الفارابي، 1989[5]
 روجيه جارودي، النظرية المادية للمعرفة، ماهي المادية، منشورات دار المعجم العربي بيروت[6]
 دكتور صبري محمّد خليل، اشكاليات الفكر السياسي السوداني، أمدرمان انترنت،  [7]
 الآستاذ تاج السر عثمان، موقع الماركسية في خريطة الفكر السوداني، الحوار المتمدن، العدد 2495، 14/12/2008[8]
 علي حرب، ارادة العقيدة أم ارادة المعرفة، مجلة قضايا فكرية[9]
 دكتور حيدر ابراهيم علي، أزمة الاسلام السياسي- الجهة الاسلامية في السودان نموذجاً، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1999[10]
 السيد محمّد أحمد المحجوب، الديمقراطية في الميزان، دار النهار، 1973[11]
 عالم بلا خرائط، رواية مشتركة بين عبد الرحمن منيف وجبرا ابراهيم جبرا، [12]
Luthans, F. & Doh, J.P. 2008, International Management: Culture, Strategy, and Behavior (7th edn.), Irwin/McGraw-Hill, Boston,[13]
Beck U (2000) What is Globalization? Cambridge: Polity.[14]
توم جي بالمر، العولمة أمر عظيم، زميل أقدم في معهد كيتو. من رسالة كيتو، خريف 2002 ، مجلد 1، رقم   [15]
 د.فلاح خلف علي الربيعي، آثار العولمة الاقتصادية على الهوية الثقافية، 2004   [16]
 دكتور فؤاد مرسي، الرأسمالية تجدد نفسها، سلسلة عالم المعرفة، 147\1990[17]
 محمّد عابد الجابري[18]
 هانس بيترمارتين و هارالد شومان، فخ العولمة- الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية، ترجمة ومراجعة د. رمزي زكي،  سلسلة عالم المعرفة، 238/1998 [19]
 د.فلاح خلف علي الربيعي، آثار العولمة الاقتصادية على الهوية الثقافية، 2004 [20]
 فرانسيس فوكاياما، نهاية التأريخ وخاتم البشر، مركز الاهرام للترجمة، ترجمة حسين أحمد أمين 1993[21]
 صامويل هانتجتون، صدام الحضارات، ترجمة طلعت الشايب، الطبعة الثانية، 1999[22]
فلاديمير لينين، الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، دار التقدم [23]
 سمير أمين، ما بعد الرأسمالية المتهالكة، دار الفارابي بيروت، الطبعة الأولى، 2003[24]
 د. طيب تزيني، مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط، دار دمشق، الطبعة الخامسة، 1981[25]
 تاج السر عثمان، ماهو ديالكتيك العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي؟، الحوار المتمدن، العدد 2355، 27/07/2008 [27]
 نفس المصدر السابق[28]
 فريدريك انجلز، مبادئ الشيوعية، اكتوبر 1847 [29]